على الرغم من شعبيتها المتنامية في دوائر السياسات والتنمية، فإن توسيع نطاق الحلول القائمة على الطبيعة يواجه عقبات كبيرة.
18 ديسمبر 2024 | بمنشور من قبل IWMI
بقلم لويز سارانت
على مدى آلاف السنين، طور المزارعون والرعاة في منطقة الشرق الأوسط أنظمة للمحافظة على توازن دقيق بين استغلال النظام الإيكولوجي والحفاظ عليه لضمان سبل أقواتهم -وأقوات حيواناتهم- وتجديد التربة والأراضي العشبية.
وأحد الأمثلة البارزة على ذلك نظام الرعي المتوارَث المدار مجتمعيًا والمعروف باسم هيما في الأردن ولبنان وغدل في تونس. ولا يزال هذا النظام يُمارَس اليوم، وهو يحد من الرعي في مناطق مراعٍ معينة، مما يسمح للغطاء النباتي بالتعافي من خلال الرعي المتناوِب ويعزز مرونة الأرض -والمجتمعات- في مواجهة الجفاف وتغير المناخ.
يعتبر الهيما حلًا قائمًا على الطبيعة (NbS)، إلى جانب عشرات التقنيات التقليدية لتوفير المياه، وتحسين خصوبة التربة، ومنع تآكلها، والتخلص من الآفات التي توصل إليها المزارعون العرب الأذكياء على مر الأجيال. وكما بيَّن الاتحاد الدولي لصون الطبيعة، تستغل الحلول القائمة على الطبيعة من قوة الطبيعة والنظم الإيكولوجية الصحية لحماية الناس، ورفع جودة البنية التحتية، وضمان مستقبل مستقر ومتنوع بيولوجياً.
وعلى الرغم من عدم توثيقها بشكل منهجي، فإن المنطقة تحتوي على عدد وفير من الحلول القائمة على الطبيعة، مثل أسوار نبات القصبة والأشجار التي تحمي المحاصيل من زحف الرمال عليها، وغابات المنجروف المستعادة التي تساعد على استقرار خطوط السواحل وتجنب ارتفاع مستوى سطح البحر، وأنظمة إعادة ملء طبقات المياه الجوفية لتجميع المياه الناتجة عن الأمطار والثلوج الذائبة وتخزينها، وجابيونات المواد الطبيعية التي تحمي المجتمعات والحقول الموجودة عند مصبات الأنهار من مياه الفيضانات الجارفة.
التحديات التي تواجه التوسع
على الرغم من الشعبية المتزايدة للحلول القائمة على الطبيعة في دوائر السياسات والتنمية، يواجه توسيع نطاق هذه الحلول عقبتين كبيرتين: مصطلحات هذه الحلول ومفهومها غير مفهومين بعد على نطاق واسع، وهناك نقص في البيانات الشاملة حول تكاليفها، وفوائدها، ومجموعات المهارات اللازمة لتنفيذها بفعالية.
يعمل المعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI) -من خلال مشروع المرونة- مشروعه الأبرز في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، على وضع الأساس لتطبيع ممارسات الحلول القائمة على الطبيعة وإضفاء الطابع الرسمي عليها في نهاية المطاف.
ولإزالة الغموض المحيط بهذه الحلول، أجرى شركاء مشروع المرونة مراجعة سريعة للحلول الحالية القائمة على الطبيعة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخارجها وستُنشر قريبًا. “هناك وفرة من المعارف والابتكارات على المستوى المحلي راسخة في الكيفية التي تشكل بها المجتمعات محيطها الطبيعي والمبنيّ وتديره للارتقاء بسبل عيشهم وأمنهم”، حسبما شرحت واسودا أبيراثنا، منسقة مشروع المرونة.
علاوة على ذلك، لسد فجوة البيانات المحيطة بهياكل تكلفة الحلول القائمة على الطبيعة والنتائج الاقتصادية المترتبة عليها، يبحث المعهد الدولي بحثًا جادًا في هذه الجوانب المالية. ومن خلال جمع البيانات الكمية، يهدف المشروع إلى جمع أدلة أقوى تثبت أهمية الحلول القائمة على الطبيعة، مما يسهل تأمين التمويل من الهيئات الحكومية وييسر توسيع نطاق هذه الحلول.
إطار القدرات ومجموعات المهارات
بصرف النظر عن عمله على “تطبيع” الحلول القائمة على الطبيعة، يعمل المعهد الدولي على تطوير “إطار للقدرات ومجموعة المهارات” Capability and Skillset Framework “لإضفاء الطابع الرسمي” على هذه الحلول. حدد تقرير gليونسكو نُشر في سنة 2022 الافتقار إلى وجود نظام يحكم الحلول القائمة على الطبيعة بوصفه التحدي الأكبر أمام تبنيها ونشرها -على الرغم من إمكانياتها الهائلة- خاصة في البلدان الأفقر التي تعتمد اعتمادًا أكبر على النظم الإيكولوجية الطبيعية من أجل ازدهارها.
ويضم هذا الإطار بشكل منهجي المهارات، والقدرات، والتدريب المطلوب لأطراف فاعلة معينة لتنفيذ الحلول القائمة على الطبيعة بفعالية في القطاعين المائي والزراعي. ويحدد 187 مهارة فردية ذات صلة، مرتبة في 16 فئة معرفية لستة “مستخدمين للحلول القائمة على الطبيعة” ذوي أولوية.
ويشير ستيفن فراغاتسي، مدير مشروع المرونة، إلى التالي: “حتى تفهم المهارات المطلوبة لتنفيذ شيء جديد، لا تستطيع أن تبني الموارد البشرية وأنظمة التدريب والتأهيل المرتبطة بها. ولا تستطيع أن تفكر منهجيًا في أنواع الفرق المطلوبة وكيف ينبغي أن تفاعل”.
والمزارعون والمسؤولون الحكوميون، ورؤساء الجمعيات التعاونية من بين مستخدمي الحلول القائمة على الطبيعة الستة ذوي الأولوية المحددين في الإطار. وينقسمون إلى فئتين رئيستين بناء على مستوى استخدامهم للتكنولوجيا. وبالإضافة إلى توضيح الاحتياجات المعرفية اللازمة للحلول القائمة على الطبيعة، يوفر هذا الإطار أدوات معدة خصيصًا للمنظمات لتقيم بها وجود خيارات التدريب ذات الصلة أو عدم وجودها داخل البلد.
تؤكد ميرجا ميكالتشيك، مديرة توسيع نطاق المشروع على التالي: “لتوسيع نطاق الحلول القائمة على الطبيعة بشكل فعال، يجب أن نسد الفجوات في الفهم والتنفيذ. ويتطلب هذا إطارًا قويًا للتدريب والتزامًا بتعزيز التعاون بين جميع أصحاب المصلحة المعنيين”.
وعلى عكس المهن التي تخضع لقواعد تنظيمية عالية مثل الهندسة أو العمارة، ولأنها تتداخل مع عدة قطاعات، تفتقر الحلول القائمة على الطبيعة إلى إطار هيكلي ورسمي لمجموعة المهارات. ويؤكد فراغاتسي أن “هذا الإطار الجديد هو خطوة أولى مهمة للغاية نحو وضع ذلك الهيكل”، مشددًا على الحاجة إلى بناء رأس مال بشري من خلال مزيج من المهارات الصلبة والناعمة من أجل التنفيذ الفعال.
 
			 
			 
			 
			