يتميز مشروع المرونة بنهجه الفريد في التكيف مع المناخ والتنمية؛ إذ يجمع بين الحلول القائمة على الطبيعة، وتدخلات إدارة المياه الزراعية، مع دمج منظور النوع الاجتماعي.
9 إبريل 2024 | منشور من قبل IWMI
بقلم لويز سارانت

في مختلف أنحاء منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، يواجه المزارعون وغيرهم من مديري المياه الآثار القاسية لتغير المناخ. سواء في الهضاب المرتفعة بشمال شرق لبنان، أو وديان الضفة الغربية، أو قرب ينابيع وادي السير في الأردن، أو في قلب دلتا النيل المنخفضة في مصر، يجب عليهم التكيف مع أنماط مناخية أشد حرارة وأكثر تطرفًا. وبينما تختلف العديد من تحدياتهم حسب السياق المحلي، يبقى تزايد شح المياه القاسم المشترك بينها جميعًا.
ومن أجل بناء القدرة على التكيف مع المناخ من خلال تعزيز الأمن المائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA)، يقوم المعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI) والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) بتنفيذ مشروع المرونة.
اسم مشروع “المرونة” يعني بالإنجليزية Flexibility ، ويمول المشروع وزارة الخارجية وشئون الكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة .(FCDO) ويهدف إلى تحقيق هدف مزدوج يتمثل في التخفيف من حدة شح المياه في مصر والأردن ولبنان والأراضي الفلسطينية المحتلة (OPT)، وفي الوقت ذاته بناء قدرات النساء الريفيات والمجتمعات الريفية بشكل عام، اللواتي يواجهن صعوبة في مواجهة الطبيعة المتقلبة لتغير المناخ. ولتطوير تدخلات ملائمة للسياق وقابلة للتوسع، يتعاون المعهد الدولي لإدارة المياه والاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة مع شركاء؛ منهم مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين (PHG) في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومركز البيئة والتنمية للإقليم العربي وأوروبا (CEDARE) في مصر، وجمعية حماية الطبيعة في لبنان (SPNL).
في أوائل مارس، عقد مشروع المرونة ورشة عمل إقليمية في عمَّان، الأردن؛ حيث اجتمع شركاء تنفيذ المشروع من الحكومات المركزية والمحلية والمنظمات غير الحكومية ومعاهد البحوث والقطاع الخاص والجهات المانحة، وتفاعلوا مع مهندسين، وعلماء بيئة، بالإضافة إلى خبراء بارزين في مجالات الزراعة والهندسة والبيئة والسياسات والنوع الاجتماعي وغيرها من العلوم الاجتماعية. وكان الهدف من الورشة استعراض تقدم المُحرز في المشروع والتحضير لتنفيذ المشاريع التجريبية في البلدان الأربعة.
يتميَّز مشروع المرونة بنهجه الفريد في التكيُّف مع المناخ والتنمية. إذ يجمع بين الحلول القائمة على الطبيعة المناسبة للسياق المحلي، وتدخُّلات إدارة المياه الزراعية، مع اتباع نهج تحويلي يراعي النوع الاجتماعي. ويُعد هذا المشروع الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الذي يربط بين الحلول القائمة على الطبيعة والتدخُّلات الاقتصادية والاجتماعية، التي يستهدف العديد منها النساء الريفيات.

فهم الحلول القائمة على الطبيعة
على الرغم من وجود تعريفات متعددة، يعرِّف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة الحلول القائمة على الطبيعة بأنها إجراءات تهدف إلى مواجهة التحديات المجتمعية من خلال حماية النظم البيئية، وإدارتها بشكل مستدام، واستعادتها، بما يعود بالنفع على كلٍّ من التنوع البيولوجي ورفاه الإنسان.
وتندرج العديد من التدخُّلات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ضمن فئة الحلول القائمة على الطبيعة، رغم أنَّه نادرًا ما يتم التعريف بها على هذا النحو. فعلى سبيل المثال، يُعد حصاد مياه الأمطار وتحويل مجاري السيول من الممارسات التقليدية في المنطقة، التي تصنَّف كشكل من أشكال الحلول القائمة على الطبيعة. وتشمل أمثلة أخرى إصلاح وتأهيل الأراضي الرطبة الاصطناعية وإعادة التشجير، بهدف استعادة النظم البيئية وحمايتها. كما تسهم تقنيات أخرى، مثل الزراعة المدرَّجة وإدارة المراعي، في تعزيز الإنتاجية الزراعية والحفاظ على التنوع البيولوجي، مع الحدّ ِمن التعرية والتصحر.
وأوضح ستيفن فراغاتسي؛ المسؤول عن السياسات في مشروع المرونة، أن المصطلح العربي للحلول القائمة على الطبيعة لا يُستخدم كثيرًا، وبالتالي لا يفهم الكثيرون المصطلح التقني. مما يسبب التباسًا ويشكِّل عائقًا أمام توسيع النطاق. لكن هناك ما يدعو إلى التفاؤل. فقد أشار قائلًا: “رغم أنَّه مفهوم تقني وحديث نسبيًّا، فإن لبنان والأردن قد أدرجا صراحةً الحلول القائمة على الطبيعة في استراتيجياتهما المناخية”.
إن الحلول المرنة لإدارة المياه وحماية الطبيعة التي ينفذها مشروع المرونة في المواقع الأربعة التجريبية تجمع بين الممارسات التقليدية والمكوَّنات الهندسية ذات الصلة بالسياق المحلي، وهي بطبيعتها هجينة. وقد قال مكرم بالحاج فرج؛ المسؤول الفني في مشروع المرونة، خلال الورشة الإقليمية: “المشروع التجريبي في دلتا النيل، على سبيل المثال، يجمع بين العناصر منخفضة التقنية وأخرى عالية التقنية لإنشاء نظام متكامل يمكن دمجه بسهولة في هيكل السوق القائم”.

منهجية صارمة وراء المشاريع التجريبية الأربعة
قبل تحديد التدخلات تدخلات المشاريع التجريبية في مصر ولبنان والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، أُجريت تقييمات مفصلة ودراسات ومشاورات مع المجتمعات المحلية. وقد حدَّدت هذه الدراسات الوضع القائم للظروف البيوفيزيائية الأساسية لكل موقع، وخصائص النظم الزراعية والهيدرولوجية المحلية، كما درست الخصائص الاجتماعية-الاقتصادية الدقيقة والاقتصاد السياسي في كل موقع، بالإضافة إلى ديناميكيات النوع الاجتماعي.
وأوضح مكرم بلحاج فرج أنهم استخدموا تقنية تُعرف باسم تقليص النطاقات المناخية عالية الدقة لفهم كيفية تأثير تغير المناخ على الموارد المائية والزراعة والنظم البيئية على مستوى مستجمعات المياه. وقال: لقد زودتنا هذه التقنية بمؤشرات حول التغيرات المستقبلية في هطول الأمطار والتبخر-النتح، وتأثيراتها المحتملة على المحاصيل”.
وأسهمت جميع هذه العوامل مجتمعةً -بدءًا من الجوانب التقنية وصولًا إلى ديناميكيات الأُسر وأنظمة السوق- في تحديد طبيعة وتصميم تدخلات المشاريع التجريبية للحلول المرنة لإدارة المياه وحماية الطبيعة. بالإضافة إلى ذلك، أولت الدراسات الأولية اهتمامًا بالغًا بالمناطق المحيطة بكل موقع لضمان إمكانية تطوير هذه التدخلات وتوسيع نطاق تطبيقها ليشمل مناطق جغرافية أوسع. يقع المشروع التجريبي في مصر في عزبة الحمراء، وهي قرية نموذجية في دلتا النيل تشتهر بإنتاج الخرشوف الفرنسي والبطاطس والقمح. ويعاني المزارعون في عزبة الحمراء الذين يزرعون أراضي تقع عند نهايات القنوات الثلاثية من انقطاعات في إمدادات المياه لمدة تصل إلى 20 يومًا شهريًّا، فضلًا عن زيادة ملوحة التربة. تؤدي هذه التحديات إلى انخفاض كبير في إنتاجية المحاصيل، وتقييد تنويعها الزراعي. ولمعالجة هذه التحديات وتعزيز كلٍّ من الإنتاجية ودخول المزارعين، سيقوم المشروع بإدخال أصناف من المحاصيل المقاومة للملوحة والجفاف، إلى جانب اتباع نهج إيكولوجي زراعي يرتكز على تَنَاوُب المحاصيل.

وادي السير، وهو حي يقع غرب عمَّان، ويشتهر بينابيعه الطبيعية، يعاني من ندرة المياه، والتلوث، وضعف الإنتاجية الزراعية. ولتحسين إمدادات المياه، يخطط مشروع المرونة لإصلاح بعض الينابيع المتضررة في المنطقة، مع التركيز على منع التعرية من خلال عمليات التشجير. كما سيعمل المشروع مع منظمة محلية تديرها نساء على إحياء زراعة محاصيل مميزة؛ مثل الزيتون الروماني والتين الأزرق، وهي محاصيل تتلاءم جيدًا مع ظروف المنطقة، وذلك عبر تقديم حوافز للمزارعين الذين يحافظون على هذه المنتجات المحلية من خلال ممارسات؛ مثل الزراعة الحافظة القائمة على المدرجات.
في شمال شرق سهل البقاع في لبنان، يهدف التدخل في إطار الحلول المرنة لإدارة المياه وحماية الطبيعة (RNBWS) إلى مواجهة تحدي السيول المفاجئة في قريتي رأس بعلبك والقاع. فعلى مدى العقد الماضي، تكررت السيول العنيفة بشكل أكبر خلال الموسم البارد، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية المائية الحيوية والمنازل، وجرف التربة السطحية الخصبة من الأراضي الزراعية. وسيقوم مشروع المرونة بإعادة تأهيل هياكل التحكم بالفيضانات المتضررة؛ مثل الحواجز الحجرية والسدود الصغيرة، إضافةً إلى دعم إعادة تغذية المياه الجوفية عبر قنوات تحويل مجاري السيول لتقليل المخاطر. كما يشمل المشروع إدخال محاصيل جديدة مقاومة للحرارة والجفاف وذات قيمة سوقية مرتفعة؛ مثل السماق والرمان والخروب؛ ليتم دمجها في سلسلة القيمة القائمة للجمعية التعاونية النسائية المحلية، بهدف زيادة دخل المجتمع المحلي.

يشكِّل شحُّ المياه والتلوث الناتج عن تصريف مياه الصرف الصحي أبرز التحديات التي يواجهها المزارعون في منطقة الفارعة العليا بمحافظة طوباس في شمال الضفة الغربية بالأراضي الفلسطينية المحتلة. ولمعالجة هذه التحديات، تشمل التدخلات إعادة تأهيل الينابيع، وصيانة القنوات، وإنشاء حديقة للتنوع الزراعي الحيوي لتعزيز الأنواع المحلية.
تم تصميم جميع هذه التدخلات؛ بحيث يمكن التكرار وتوسيع نطاقها؛ إذ يسعى مشروع المرونة إلى تعزيز اعتماد الحلول المرنة لإدارة المياه وحماية الطبيعة داخل الدول الأربع المشاركة في المشاريع التجريبية، وكذلك في أماكن أخرى ضمن المنطقة الأوسع في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
قالت فيدwيشا سماراسيكارا؛ مديرة البرنامج الاستراتيجي في المعهد الدولي لإدارة المياه وقائدة مشروع المرونة: “لقد كانت السنتان الماضيتان من عمر المشروع حاسمتين في بناء أساس متين لمرحلة التنفيذ الجارية حاليًّا. لقد وضعنا الأسس بشكل منهجي، وهذا الركيزة القوية تمنحنا الثقة والزخم للمضي قدمًا في تطوير وتجريب وتوسيع نطاق الحلول المرنة لإدارة المياه وحماية الطبيعة”.شددت ربى الزعبي؛ رئيسة قسم المناخ والطاقة والبيئة لمنطقة المشرق في وزارة الخارجية وشئون الكومنولث والتنمية، قائلة: “من أجل تحقيق الأثر المنشود على صعيد المناخ والتنمية المحلية، ينبغي توسيع نطاق هذه المشاريع التجريبية من خلال شراكات فعَّالة وآليات تمويل مناسبة”. وأضافت: “يتعيَّن ضمان استدامة تدخلات المشروع عبر تعزيز الملكية المحلية القوية، واستمرار التعلم وبناء القدرات، فضلًا عن دمجها في السياسات والخطط والأنظمة السوقية المحلية”.
