المعهد الدولي لإدارة المياه يطور استخدام النماذج المناخية عالية الدقة للأحواض الصغيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا

في منطقة تكافح تحديات المناخ المتفاقمة، سيؤدي هذا النموذج المبتكر -ولكن سهل التكرار- لتوقعات المناخ إلى إجراء تحولات في عمليات صنع القرار المحلية.

14 أغسطس 2024 | منشور من قبل IWMI

بقلم لويز سارانت

لافتة التقاء الأودية في رأس بعلبك، لبنان. تصوير: ستيفن فراغاتسي/المعهد الدولي لإدارة المياه

تعد النماذج المناخية العالمية حاليًا الأدوات الأساسية للتنبؤ بالآثار المستقبلية لتغير المناخ العالمي. وعلى الرغم من فعاليتها في توليد بيانات درجات الحرارة، وهطول الأمطار، والتبخر-النتح لمناطق واسعة، فإنها تعاني لتعرض التغييرات في مناطق تبلغ مساحتها 100 كيلومتر مربع أو أقل. وعند هذه الدرجة من الدقة، تكون الصورة الناتجة ضبابية للغاية بحيث لا يتسنى الرصد بدقة. ومن خلال مشروع المرونة، يتعامل المعهد الدولي لإدارة المياه (IWMI) مع هذه المشكلة من خلال ترجمة التنبؤات المناخية إلى درجات دقة أعلى، وتعد هذه خطوة ضرورية للتفسير، والتخطيط، والمراقبة على المستوى المحلي.

قاد كريم البرقاوي، خبير أرصاد جوية ونمذجة في المعهد الدولي، تطوير هذه الأداة الجديدة. صمَّم منهجية مكونة من أربع خطوات للتنبؤ بالتوقعات المناخية في أربعة أحواض صغيرة مستهدَفة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA). وبعد إجراء تقييم للوضع الحالي للمناخ في كل موقع، ملأ الفجوات الموجودة في البيانات المناخية التاريخية باستخدام إعادة تحليل المناخ.

“فيما يتعلق بدرجة الحرارة وهطول الأمطار، توافقت بيانات إعادة التحليل التي استخدمناها بشكل كبير مع بيانات الرصد الأرضي وهي موثوقة للغاية”، أشار البرقاوي. تضمنت المرحلة التالية انتقاء أنسب “النماذج المناخية العالمية” لتقليص النطاق الإحصائي، وبلغت ذروتها في تطوير رمز تصحيح التحيز والتصنيف الإحصائي (BCSD).

يوضح الرسم البياني إلى اليسار أن البيانات الأولية للنماذج المناخية العالمية (باللون الأصفر) لا تتوافق مع بيانات الرصد الأرضي (باللون الأسود) الخاصة ببيانات درجة الحرارة التاريخية في رأس بعلبك، لبنان. ولكن بالنظر إلى تقليص النطاق المناخي لتصحيح التحيز والتصنيف الإحصائي الذي قام به مشروع المرونة، الممثل باللون الأخضر في الرسم البياني إلى اليمين، سنجد أنه يتفق بدرجة كبيرة مع الرصد الأرضي.

نظرًا لسهولة تكراره والبناء عليه، سيساعد النموذج واضعي السياسات والخطط، والمهندسين الزراعيين، وموظفي خدمات الإرشاد الزراعي، وخبراء إدارة المياه على صنع قرارات مستنيرة بشأن الأمن الغذائي والمائي، وسبل العيش، والبنية التحتية في سياقات زراعية إيكولوجية معينة.يشكل النموذج جانبًا تقنيًا بالغ الأهمية من عمل المعهد الدولي، الذي يسعى جاهدًا لتحقيق المرونة المناخية والأمن المائي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من خلال الحلول القائمة على الطبيعة، وإدارة المياه الزراعية، والنهج التحولي في التعامل مع قضايا النوع الاجتماعي. بتمويل من وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة، يتولى المعهد الدولي قيادة مشروع المرونة فيما يتولى تنفيذه الاتحاد الدولي لصون الطبيعة (IUCN) والشركاء المحليون في مصر، والأردن، ولبنان، والأراضي الفلسطينية المحتلة. والمواقع التجريبية الأربعة هي وادي السير في الأردن، ووادي الفارعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وأبو المطامير في مصر، ورأس بعلبك والقاع في لبنان.

الموقع التجريبي في الأراضي الفلسطينية المحتلة -الواقع في وادي الفارعة- هو منطقة تعاني من تلوث مياه الصرف الصحي في المزارع الواقعة عند المصب والجفاف الدوري للينبوع. تصوير: ستيفن فراجاتسي/المعهد الدولي لإدارة المياه

تنبؤات قاتمة شديدة الحرارة

بحلول عام 2090، يتوقع نموذج تقليص النطاق المناخي الخاص بالمعهد الدولي حدوث ارتفاع حاد في المتوسط السنوي لدرجة الحرارة القصوى اليومية (اليسار)، مصحوبًا بارتفاع في المتوسط السنوي لدرجة الحرارة الدنيا اليومية (اليمين) في رأس بعلبك، لبنان.

طبق البرقاوي وفريقه تقليص النطاق المناخي في ظل سيناريوهات احترار متنوعة حتى عام 2090، وتوصلوا إلى نتائج قاسية: “ستشهد الأحواض الأربعة كلها ارتفاعًاكبيرًا في شدة موجات الجفاف ومعدل تكرارها، تتخللها فيضانات متفرقة ولكن متطرفة”، حسبما ذكر البرقاوي. يهدد ارتفاع درجات الحرارة وظروف الجفاف المستمرة الإنتاجية الزراعية والموارد المائية، ومن المتوقع أن تصبح الأيام الباردة نادرة.

في ظل سيناريو الاحترار الأكثر تطرفًا -SSP5-8.5- يتوقع النموذج حدوث ارتفاع كبير في الأيام شديدة الحرارة في رأس بعلبك وأبو المطامير، مع توقع زيادة الأيام الحارقة من 14 يومًأ سنويًا إلى 140 بحلول عام 2090. في غضون ذلك، من المتوقع أن تختفي الليالي الباردة تقريبًا في هذين الموقعين.

يدرك خبراء المشروع أن هذه التحولات المناخية تؤثر في الرجال والنساء بطرق مختلفة، وصُمم التدخل بناء على هذا الفهم. حسَّن تحليل شامل للنوع الاجتماعي اُجري في سنة 2024 بالأحواض الأربعة معرفة الفريق بتقسيمات العمل المحلية القائمة على النوع الاجتماعي وديناميكيات صنع القرار.

تعزيز المرونة في المناطق التجريبية

تشرح فاطمة حايك، المساعدة الفنية في جمعية حماية الطبيعة في لبنان، شريك محلي لمشروع المرونة- أنه “بناء على هذه البيانات، صممنا استراتيجيات خاصة لمكافحة ارتفاع درجات الحرارة، وندرة المياه، وفترات الجفاف الطويلة، والفيضانات العَرَضية من خلال هياكل التحكم في الفيضانات، وإعادة ملء طبقات المياه الجوفية، والمحاصيل المقاومة للجفاف، والتقنيات الكفؤة في استخدام المياه”.

في مصر، لا بد أن اختفاء الليالي الباردة بحلول عام 2090 سيؤثر في المحاصيل الزراعية. إذ تتطلب العديد من المحاصيل -بما فيها القمح الشتوي وأنواع معينة من الفواكه والخضروات- التعرض لفترات طويلة لدرجات حرارة باردة وفترات كمون لإنتاج محاصيل جيدة. ويشير دكتور عمرو عبد المجيد، مدير برنامج الحوكمة البيئية في مركز سيداري، شريك المعهد الدولي، إلى أنه “نظرًا لهذه التوقعات القاسية المتعلقة بالزراعة وسبل العيش، فإننا نخطط للبدء في استخدام أصناف محاصيل مقاومة للجفاف، وتنويع المحاصيل، وتناوب المحاصيل في مشروعنا التجريبي”.

يعاني وادي السير في الأردن من ندرة كبيرة في المياه بسبب محدودية هطول الأمطار واستنزاف المياه الجوفية، مما يؤثر فعليًا في إمدادات مياه الشرب والري.  يتوقع النموذج، في ظل السيناريو الأدفأ بحدوث موجة احترار واضحة تزيد على 4,8 درجة مئوية بحلول عام 2090، وانخفاض في هطول الأمطار، وانخفاض حاد في الأيام الباردة.

نظرا لقربه من العاصمة عمّان، يعد وادي السير مكانًا مرغوبًا فيه خلال فصل الصيف للاستمتاع بالجو البارد. تصوير: ستيفن فراجاتسي/المعهد الدولي لإدارة المياه

في وادي الفارعة، ستزيد التحولات في الظروف المناخية الطلب على الموارد المائية الشحيحة بالفعل. يوضح الدكتور أيمن الرابي، المدير التنفيذي لمجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين وشريك مشروع المرونة، أنهم يضعون استراتيجيات لحماية استدامة موارد الأراضي والمياه في تصميم المشروع التجريبي. وأضاف قائلًا: “إن المبادرات التوعوية والتدريب الذي نخطط لتقديمهما لجمعيات مستخدمي المياه ستؤدي دورًا مهمًا للغاية في هذا السياق”.

يلخص حَكَم مندوري، مسؤول تغير المناخ والمرونة في المكتب الإقليمي لغرب آسيا التابع للاتحاد الدولي لصون الطبيعة، الطبيعة الملحة لهذه اللحظة: “إذا علمتنا هذه البيانات أي شيء، فهو أننا بحاجة إلى أن نتصرف استباقيًا لا كرد فعل، وهذا يعني بناء المرونة الآن بدلًا من انتظار تفاقم هذه المشكلات بمرور الوقت”.

التطلع إلى المستقبل: توسيع الأثر والتكامل

تمثل طريقة تقليص النطاق المناخي التي استحدثها مشروع المرونة قفزة عميقة نحو المستقبل في النماذج المناخية المحلية. وتؤكد الدكتورة ميرجا ميكالتشيك، مديرة توسيع نطاق المشروع من المعهد الدولي، على أن الطموح يتجاوز النطاق الجغرافي موضحة: “يتعلق توسيع نطاق المشروعات التجريبية أيضًا بدمج أساليبنا في نسيج السياسات والممارسات الوطنية، مما يكفل أثرًا واسعًا ومستمرًا”.ويضيف ستيفن فراغاتسي، مدير مشروع المرونة: “لا يقتصر هدفنا على تطبيق تقليص نطاق تغير المناخ في مشروعاتنا التجريبية، بل يتجاوزه إلى تمكين الحكومات والمجتمعات من استخدام الحلول المرنة لإدارة المياه وحماية الطبيعة على نطاق واسع، مما يضمن منافع مستدامة ومنصفة للجميع”.

Comments are closed.